فصل: من فوائد أبي حيان في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص} مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى بين في التوراة أن حكم الزاني المحصن الرجم، وغيره اليهود، وبين هنا أنّ في التوراة: أن النفس بالنفس وغيره اليهود أيضًا، ففضلوا بني النضير على بني قريظة، وخصوا إيجاب القود على بني قريظة دون بني النضير.
ومعنى وكتبنا: فرضنا.
وقيل: قلنا والكتابة بمعنى القول ويجوز أن يراد الكتابة حقيقة، وهي الكتابة في الألواح، لأن التوراة مكتوبة في الألواح، والضمير في فيها عائد على التوراة، وفي: عليهم، على الذين هادوا.
وقرأ نافع، وحمزة، وعاصم: بنصب، والعين وما بعدها من المعاطيف على التشريك في عمل أنّ النصب، وخبر أنّ هو المجرور، وخبر والجروح قصاص.
وقدَّر أبو عليّ العامل في المجرور مأخوذ بالنفس إلى آخر المجرورات، وقدره الزمخشري أولًا: مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلها بغير حق، وكذلك العين مفقوأة بالعين، والأنف مجدوع بالأنف، والأذن مأخوذة مقطوعة بالأذن، والسن مقلوعة بالسن.
وينبغي أن يحمل قول الزمخشري: مقتولة ومفقوأة ومجدوع مقطوعة على أنه تفسير المعنى لا تفسير الإعراب، لأن المجرور إذا وقع خبرًا لابد أن يكون العامل فيه كونًا مطلقًا، لا كونًا مقيدًا.
والباء هنا باء المقابلة والمعاوضة، فقدر ما يقرب من الكون المطلق وهو مأخوذ.
فإذا قلت: بعت الشاء شاة بدرهم، فالمعنى مأخوذ بدرهم، وكذلك الحر بالحر، والعبد بالعبد.
التقدير: الحر مأخوذ بالحر، والعبد مأخوذ بالعبد.
وكذلك هذا الثوب بهذا الدرهم معناه مأخوذ بهذا الدرهم.
وقال الحوفي: بالنفس يتعلق بفعل محذوف تقديره: يجب، أو يستقر.
وكذا العين بالعين وما بعدها مقدر الكون المطلق، والمعنى: يستقر قتلها بقتل النفس.
وقرأ الكسائي: برفع والعين وما بعدها.
وأجاز أبو عليّ في توجيه الرفع وجوهًا.
الأول: أنّ الواو عاطفة جملة على جملة، كما تعطف مفردًا على مفرد، فيكون والعين بالعين جملة اسمية معطوفة على جملة فعلية وهي: وكتبنا، فلا تكون تلك الجمل مندرجة تحت كتبنا من حيث اللفظ، ولا من حيث التشريك في معنى الكتب، بل ذلك استئناف إيجاب وابتداء تشريع.
الثاني: أنّ الواو عاطفة جملة على المعنى في قوله: إن النفس بالنفس، أي: قل لهم النفس بالنفس، وهذا العطف هو من العطف على التوهم، إذ يوهم في قوله: إن النفس بالنفس، إنه النفس بالنفس، والجمل مندرجة تحت الكتب من حيث المعنى، لا من حيث اللفظ.
الثالث: أن تكون الواو عاطفة مفردًا على مفرد، وهو أن يكون: والعين معطوفًا على الضمير المستكن في الجار والمجرور، أي بالنفس هي والعين وكذلك ما بعدها.
وتكون المجرورات على هذا أحوالًا مبينة للمعنى، لأن المرفوع على هذا فاعل، إذ عطف على فاعل.
وهذان الوجهان الأخيران ضعيفان: لأن الأول منهما هو المعطوف على التوهم، وهو لا ينقاس، إنما يقال منه ما سمع.
والثاني منهما فيه العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير فصل بينه وبين حرف العطف، ولا بين حرف العطف والمعطوف بلا، وذلك لا يجوز عند البصريين إلا في الضرورة، وفيه لزوم هذه الأحوال.
والأصل في الحال أن لا تكون لازمة.
وقال الزمخشري: الرفع للعطف على محل: أنّ النفس، لأن المعنى: وكتبنا عليهم النفس بالنفس، إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا، وإما أنّ معنى الجملة التي هي قولك: النفس بالنفس، مما يقع عليه الكتب كما تقع عليه القراءة يقول: كتبت الحمد لله، وقرأت سورة أنزلناها.
وكذلك قال الزجاج: لو قرئ أنّ النفس لكان صحيحًا انتهى.
وهذا الذي قاله الزمخشري هو الوجه الثاني من توجيه أبي علي، إلا أنه خرج عن المصطلح فيه، وهو أن مثل هذا لا يسمى عطفًا على المحل، لأن العطف على المحل هو العطف على الموضع، وهذا ليس من العطف على الموضع، لأن العطف على الموضع هو محصور وليس هذا منه، وإنما هو عطف على التوهم.
ألا ترى أنا لا نقول أن قوله: إنّ النفس بالنفس في موضع رفع، لأن طالب الرفع مفقود، بل نقول: إنّ المصدر المنسبك من أنّ واسمها وخبرها لفظه وموضعه واحد وهو النصب، والتقدير: وكتبنا عليهم فيها النفس بالنفس، إمّا لإجراء كتبنا مجرى قلنا، فحكيت بها الجملة: وإمّا لأنهما مما يصلح أن يتسلط الكتب فيها نفسه على الجملة لأنّ الجمل مما تكتب كما تكتب المفردات، ولا نقول: إن موضع أنّ النفس بالنفس وقع بهذا الاعتبار.
وقرأ العربيان وابن كثير: بنصب والعين، والأنف، والأذن، والسن، ورفع والجروح.
وروي ذلك عن: نافع.
ووجه أبو علي: رفع والجروح على الوجوه الثلاثة التي ذكرها في رفع والعين وما بعدها.
وروي أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أنّ النفس بتخفيف أن، ورفع العين وما بعدها فيحتمل أن وجهين: أحدهما: أن تكون مصدرية مخففة من أنّ، واسمها ضمير الشأن وهو محذوف، والجملة في موضع رفع خبر أنّ فمعناها معنى المشدّدة العاملة في كونها مصدرية.
والوجه الثاني: أن تكون أن تفسيرية التقدير أي: النفس بالنفس، لأن كتبنا جملة في معنى القول.
وقرأ أبيّ بنصب النفس، والأربعة بعدها.
وقرأ: وأنْ الجروح قصاص بزيادة أن الخفيفة، ورفع الجروح.
ويتعين في هذه القراءة أن تكون المخففة من الثقيلة، ولا يجوز أن تكون التفسيرية من حيث العطف، لأن كتبنا تكون عاملة من حيث المشدّدة غير عاملة من حيث التفسيرية، فلا يجوز لأن العطف يقتضي التشريك، فإذا لم يكن عمل فلا تشريك.
وقرأ نافع: والأذن بالأذْن بإسكان الذال معرفًا ومنكرًا ومثنى حيث وقع.
وقرأ الباقون: بالضم.
فقيل: هما لغتان، كالنكر والنكر.
وقيل: الإسكان هو الأصل، وإنما ضم اتباعًا.
وقيل: التحريك هو الأصل، وإنما سكن تخفيفًا.
ومعنى هذه الآية: أن الله فرض على بني إسرائيل أنّ من قتل نفسًا بحد أخذ نفسه، ثم هذه الأعضاء كذلك، وهذا الحكم معمول به في ملتنا إجماعًا.
والجمهور على أنّ قوله أنّ النفس بالنفس عموم يراد به الخصوص في المتماثلين.
وقال قوم: يقتل الحر بالعبد والمسلم بالذمي، وبه قال أبو حنيفة: وأجمعوا على أنّ المسلم لا يقتل بالمستأمن ولا بالحربي، ولا يقتل والد بولده، ولا سيد بعبده.
وتقتل جماعة بواحد خلافًا لعلي، وواحد بجماعة قصاصًا، ولا يجب مع القود شيء من المال.
وقال الشافعي: يقتل بالأول منهم وتجب دية الباقين، قد مضى الكلام في ذلك في البقرة في قوله: {كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية.
وقال ابن عباس: كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت.
وقال أيضًا: رخص الله تعالى لهذه الأمة ووسع عليها بالدية، ولم يجعل لبني إسرائيل دية فيما نزل على موسى وكتب عليهم.
وقال الثوري: بلغني عن ابن عباس أنه نسخ {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد} قوله: أن النفس بالنفس، والظاهر في قوله: النفس بالنفس العموم، ويخرج منه ما يخرج بالدليل، ويبقى الباقي على عمومه.
والظاهر في قوله: العين بالعين فتفقأ عين الأعور بعين من كان ذا عينين، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وروي عن عثمان وعمر في آخرين: أن عليه الدية.
وقال مالك: إن شاء فقأ وإن شاء أخذ الدية كاملة.
وبه قال: عبد الملك بن مروان، وقتادة، والزهري، والليث، ومالك، وأحمد، والنخعي.
وروى نصف الدية عن: عبد الله بن المغفل، ومسروق، والنخعي، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، والشافعي.
قال ابن المنذر: وبه نقول.
وتفقأ اليمنى باليسرى، وتقلع الثنية بالضرس، وعكسهما لعموم اللفظ، وبه قال ابن شبرمة.
وقال الجمهور: هذا خاص بالمساواة، فلا تؤخذ يمنى بيسرى مع وجودها إلا مع الرضا.
ولو فقأ عينًا لا يبصر بها فعن زيد بن ثابت: فيها مائة دينار، وعن عمر: ثلث ديتها.
وقال مسروق، والزهري، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر: فيها حكومة.
ولو أذهب بعض نور العين وبقي بعض، فمذهب أبي حنيفة: فيها الارش.
وعن علي: اختبار بصره، ويعطى قدر ما نقص من مال الجاني.
وفي الأجفان كلها الدية، وفي كل جفن ربع الدية قاله: زيد بن ثابت، والحسن، والشعبي، وقتادة، وابراهيم، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، والشافعي.
وقال الشعبي: في الجفن الأعلى ثلث الدية، وفي الأسفل ثلثاها.
واختلف فيمن قطع أنفًا هل يجري فيها القصاص أم لا؟ فقال أبو حنيفة: إذا قطعه من أصله فلا قصاص فيه، وإنما فيه الدية.
وروي عن أبي يوسف: أن في ذلك القصاص إذا استوعب.
واختلف في كسر الأنف: فمالك يرى القود في العمد منه، والاجتهاد في الخطأ.
وروي عن نافع: لا دية فيه حتى يستأصله.
وروي عن علي: أنه أوجب القصاص في كسره.
وقال الشافعي: إن جبر كسره ففيه حكومة، وما قطع من المارن بحسابه، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والشعبي، وبه قال الشافعي: وفي المارن إذا قطع ولم يستأصل الأنف الدية كاملة، قاله: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه.
والمارن ما لان من الأنف، والأرنبة والروثة طرف المارن.
ولو أفقده الشم أو نقصه: فالجمهور على أنّ فيه حكومة عدل.
والأذن بالأذن يقتضي وجوب القصاص إذا استوعب، فإن قطع بعضها ففيه القصاص إذا عرف قدره.
وقال الشافعي: في الأذنين الدية، وفي إحداهما نصفها.
وقال مالك: في الأذنين حكومة، وإنما الدية في السمع، ويقاس نقصاه كما يقاس في البصر.
وفي إبطاله من إحداهما نصف الدية ولو لم يكن يسمع إلا بها.
والسن بالسن يقتضي أنّ القلع قصاص، وهذا لا خلاف فيه، ولو كسر بعضها.
والأسنان كلها سواء: ثناياها، وأنيابها، وأضراسها، ورباعياتها، في كل واحدة خمس من الإبل من غير فضل.
وبه قال: عروة، وطاووس، وقتادة، والزهري، والثوري، وربيعة، والأوزاعي، وعثمان البتي، ومالك، وأبو حنيفة، وأصحابه، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وروي عن علي، وابن عباس، ومعاوية.
وروى ابن المسيب عن عمر: أنه قضى فيما أقبل من الفم بخمس فرائض وذلك خمسون دينارًا، كل فريضة عشر دنانير، وفي الأضراس بعير بعير.
قال ابن المسيب: فلو أصيب الفم كله في قضاء عمر نقصت الدية، أو في قضاء معاوية زادت، ولو كنت إنا لجعلتها في الأضراس بعيرين بعيرين.
قال عمر: الأضراس عشرون، والأسنان اثنا عشر: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربع أنياب.